السعودية والإمارات.. جسدٌ واحد
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما العمود الفقري الصلب لمنطقتنا التي تتخبّط في الاضطرابات، وقد أظهر قادة الدولتَين على الدوام قوّة كبيرة، وحكمة عظيمة، فضلاً عن الولاء لشعبهم وفي ما بينهم، وهذه الصفات تتجلّى اليوم أكثر من أي وقت مضى!
يحلم أعداؤنا المشتركون بزرع الفرقة بيننا، وإضعافنا، وتأليب فريق على الآخر، مستخدمين أكاذيب وتلميحات، إنما لن يتمكنوا أبداً من تحقيق مبتغاهم. كونوا على ثقة من أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان متيقظان جيداً لما يُحاك من ألاعيب دنيئة.
الإماراتيون والسعوديون إخوةٌ يتشاركون الديانة نفسها، واللغة، والثقافة، والتقاليد، والجذور القبلية، وفي حالات كثيرة، روابط الدم نفسها. نتشابه في الطعام الذي نأكله. ونكرّم الأبطال والشعراء أنفسهم. باختصار: لقد عمل قادتنا، طوال أجيال، على توثيق أواصر العلاقات بيننا، وهذه الروابط تعود إلى ما قبل الإسلام.
تعود هذه العلاقات إلى ما قبل حاتم الطائي، الشاعر المحبوب من حائل، والمعروف بسخائه الأسطوري، الذي وافته المنية عام 578 ميلادية لطالما تردّدت على مسامعي منذ الصغر عبارة: «أكرم من حاتم الطائي».
كذلك استلهم آباؤنا من شجاعة عنترة بن شداد من نجد، العبد الذي استطاع بفضل شخصيته ومواهبه الشاعرية وبطولاته في المعارك، أن ينتزع حريته إلى أن وفاته المنية عام 608 ميلادية.
لا بل إن العلاقات الوثيقة بين شعبَينا تعود إلى حقبة ضاربة في جذور التاريخ، فقد نشأت صداقات بين السعوديين والإماراتيين عندما كانت قوافل الجِمال تعبر الصحراء القاسية للمتاجرة بالسلع والبضائع.
كان ذلك قبل اختراع جوازات السفر والحدود. كنّا جميعنا عرباً في شبه الجزيرة العربية نحلّ ضيوفاً على أشخاص غرباء عنّا خلال الرحلات الطويلة. لقد غيّرت مسيرة الحداثة أنماط عيشنا ومدننا تغييراً كبيراً بحيث تبدّلت معالمها، لكننا لم نتخلَّ قط عن قيمنا الجوهرية أو صداقاتنا – أتطلّع إلى اليوم الذي ستُصبح فيه كل الحدود مفتوحة أمام الإماراتيين والسعوديين.
تشهد المملكة في الوقت الراهن تحولاً جذرياً على الصعيدَين الاقتصادي والاجتماعي، بدفعٍ من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد الشاب والديناميكي، بمباركة والده، العاهل السعودي، جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز. الإمارات جاهزة لتقديم المشورة والدعم، بشتّى الوسائل، لهذه المبادرات التحوّلية الشجاعة.
نقف جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية في نهضتها، ونسعى إلى توسيع الشراكة الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدَين، كما في ميادين التعليم والرياضة والرعاية الصحية والتكنولوجيا. لدى كل واحدٍ من البلدَين الكثير كي يقدّمه للآخر، معاً نستطيع تخطي كل الحدود وفتح الأبواب على مصاريعها بين الدولتَين العربيتين العظيمتين اللتين تفوّقتا بقوتهما الاقتصادية على جميع الدول الأخرى في المنطقة.
يعوّل الاقتصاد السعودي، وكذلك الإماراتي، على القطاعات النفطية وغير النفطية، ويضم بعضاً من كبريات الشركات المتعددة الجنسيات في حقول متعدّدة. هاتان الدولتان الخليجيتان تقودان العالم العربي في مجالي التنمية والابتكار، ولو بأسلوبَين مختلفين، إنما انطلاقاً من رؤى متشابهة بغية توليد النمو والفرص لجميع مواطنيهما. يداً بيد، يزدهر الاقتصاد في السعودية والإمارات، ويتمكّنان معاً من الصمود في وجه كل الصدمات، وأتوقّع أن ننضمّ قريباً إلى أكبر عشر قوى اقتصادية في العالم.
في عالمنا شراكاتٌ كثيرة قوامها مصالح تلتقي بصورة مؤقتة وتتبدّل وفقاً للظروف، لكن الشراكة بين السعودية والإمارات مختلفة تماماً، فما يجمعنا يذهب أبعد من رابط الدم والتاريخ، تحتاج الإمارات إلى السعودية والعكس، مثل جسدٍ واحد يتنفّس من الرئة نفسها، وقلبَين يخفقان بنبض واحد. نحن إخوة، نحن أسرة واحدة ومستقبلنا واحد.
تسير السعودية والإمارات على الخطى نفسها في السعي إلى إلحاق الهزيمة بأشرار التطرف والإرهاب الذين يهدّدون سلام شعبَينا والشعوب الأخرى في العالم، وأمنهم، ولهذا عمدنا إلى تعزيز أجهزتنا العسكرية والرقابية والاستخبارية، ونقوم بالتنسيق على مختلف الجبهات.
بتنا نمتلك القدرة على الدفاع عن أنفسنا، بل وأيضاً عن أصدقائنا وجيراننا الراغبين في اللحاق بركب اتحادنا الراسخ والمحكَم للحصول على الحماية ضد الدولة الإرهابية الأكبر إيران التي تلقي بظلال قاتمة علينا جميعاً، والذئاب الذين يدورون في فلكها في العراق وسوريا ولبنان، وبالطبع اليمن، الذي سيتحرّر قريباً، بفضل حزم حكّامنا وصلابتهم، من القبضة المدمّرة للملالي الإيرانيين.
لا يمكنني أن أشدّد بما فيه الكفاية على أهمية استمرار الشفافية والحوار فيما بيننا، وعدم السماح مطلقاً لعدم الثقة بالتسلل إلى علاقتنا. وما دام الوضوح والبساطة هما عنوان التواصل، كما في الأيام القديمة، فهذا لن يحصل أبداً. يطمح أعداؤنا إلى إضعاف روابطنا لخدمة أهدافهم التوسعية في منطقتنا، ولكنها أقوى من أن تُضعفها محاولاتهم التخويفية الفاشلة.
نحمد الله تعالى لأنه وهبنا قادة استثنائيين يعملون يداً بيد من أجل رفع أعلام دولنا عالياً على الساحة الدولية، ويلتزمون بالدفاع عن شعوبنا في وجه التهديدات في عالمنا الذي يزداد خطورة يوماً بعد يوم.